أصعب أنواع العذابات التي قد يبتلى بها الإنسان هو الموت المتدرج فتخرج روحه رويداً رويداً كأنك تنسل خيط حرير من كومة أشواك أو تقتلع رمحاً مسافراً في الجسد.. وأقسى من ذلك ان تحاول قتل شعب بشكل متدرج فتمنع عنه الدواء ثم الغذاء
ثم الطاقة وهو على أبواب الشتاء فلا يجد مايدفئه أو يسد جوعه أو يطبب علته وفوق ذلك تمنع أي تعاطف دولي معه .... هذا ماتفعله اسرائيل بقطاع غزة موت تدريجي مستمر منذ أكثر من 17 شهراً عبر اغلاق المعابر ومنع تزويد القطاع بالامدادات الحيوية من وقود وطحين ودواء الأمر الذي ينذر بوقوع كارثة إنسانية وعلى حد تعبير كارين أبو زيد المفوضية العامة لوكالة الغوث الدولية (الانروا) ان القطاع لم يشهد أوضاعا كارثية أسوأ مما هي عليه الآن فغزة تغرق في الظلام لوقت طويل ولاكهرباء ولا ماء ولا وقود الأمر الذي يجعل الناس في وضع مزر مضيفة أنها فترة من أسوأ الفترات التي مررنا بها ولانستطيع خلالها ادخال الاحتياجات الى غزة التي تعيش وضعاً مأساوياً وكارثياً لايطاق بسبب الحصار الاسرائيلي الخانق .
ان استمرار الحصار جعل من السلة الغذائية للانروا والتي تشكل 60 % من الحاجيات اليومية للقطاع فارغة أي لايوجد في القطاع مايكفي من حليب الأطفال أو السكر أو الطحين أو السلع الأساسية التي يقتات عليها الإنسان .. أي بعبارة واضحة مليون ونصف المليون فلسطيني عربي مهددون بالموت جوعاً أمام نظر أشقائهم العرب بل ومشاركة البعض منهم في هذا الحصار... استغرب جداً أن تأتي حركات التضامن وكسر الحصار من الأوروبيين من خلف البحار وهم الذين دأبنا على وصفهم ببلادة المشاعر تجاه قضايانا وبعض أبناء جلدتنا يهددون ويتوعدون الفلسطينيين إذا حاولوا كسر الحصار ودخلوا الى رفح المصرية .. من للأخ غير أخيه في حالة الكرب من للعربي الفلسطيني غير العربي المصري يتوجه إليه في محنته ويلوذ به ... أليس منطق البشر يقول ذلك مع أن منطق سياسة بعض العرب يقول عكس ذلك..
الى متى يبقى بعض القرار العربي مرتهن لمصالح اسرائيل وأمريكا الى متى يذبح بعضنا بأسلحة اسرائيلية وحصار اسرائيلي على حين يقدم البعض فروض الطاعة والحب والغاز المجاني على طبق من ذهب .. إن الشعوب العربية تزداد بعداً عن سياسة حكامها المرتهنون للغرب وما المظاهرات التي خرجت في بقاع الوطن العربي إلا تأكيد على حيوية هذا الشعب وأنه جسد واحد إذا اشتكى منه الفلسطيني تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وأنه مهما كثرت حملات التضليل ودعوات الخنوع والارتهان وتبريرات الالتزام بضبط النفس تجاه تجاوزات اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني والاكتفاء بالتنديد والشجب الكلامي لن يقنع الشعب العربي من المحيط الى الخليج ولن يكون بدلاً عن فعل كسر الحصار كما لن يشبع طفلاً جائعاً في غزة أو يطبب مريضاً في مستشفياتها .
أليس من المعيب للبعض أن تصدر جمعية أوروبية بياناً لرفع الحصار عن غزة تؤكد فيه ان مايتم جمعه من أدوية ومعدات طبية سوف يتم ارسالها الى قطاع غزة عن طريق البر إن سمحت السلطات المصرية بإدخالها عبر معبر رفح الحدودي وانها ستدخلها في حال رفضت القاهرة ذلك عن طريق البحر كما فعلت الحملات الأوروبية برحلاتها السابقة الى القطاع أو بالطريقة لتي تراها مناسبة .