لا جديد في جعبة إسرائيل
لم تأت إسرائيل بأي جديد بعدوانها السافر المستمر منذ عدة أيام على قطاع غزة:؛ فلم تكن قدرتها التدميرية الهائلة وتنكرها لكل القيم والأخلاق والمبادئ والمواثيق الإنسانية محل شك حتى تقدم بكل بربرية على دك مقرات ومباني خدمية، بل على النقيض من ذلك، فهي قامت على أشلاء الفلسطينيين وجراحهم النازفة قبل ستة عقود من الزمن، وما مذبحة دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا عنا ببعيد، فهذه المجازر البشعة ما تزال حاضرة في الوجدان والضمير الفلسطيني، وهي خير شاهد على وحشية وإجرام الاحتلال الغاشم.
ربما يسوق قادة الاحتلال مشاهد الدمار والخراب التي نشروها في ربوع قطاع غزة المحاصر على أنها انتصار ونجاح في تحقيق الأهداف غير المعلنة حتى اللحظة، وربما انتشى لبعض الوقت قادة جيش الاحتلال حين غدروا بالآمنين في مقرات عملهم الشرطية والخدمية، بيد أنهم أدركوا مدى خيبتهم الثقيلة مع أول صاروخ أطلقته المقاومة رداً على العدوان البربري والهمجي موسعة من خلاله رقعة قصفها للبلدات الإسرائيلية المتاخمة للقطاع.
ولعل جيش الاحتلال ترقب اندفاع المقاومة للرد على عدوانه السافر حتى ينقض عليها، ويوقع المزيد من الخسائر في صفوف نشطائها، ويستكمل بذلك خطته للإجهاز عليها، بيد أن الأخيرة كانت متيقظة لذلك، واتبعت نهج ذكي وتكتيك محكم في ضبط أدائها وردها على العدوان، بحيث تربك من خلاله الاحتلال وتحبط حساباته وخططه المبنية على توقعاته لسلوك المقاومة، وبذلك فاجأت المقاومة الاحتلال، عدا عن أنها لم تسارع لإخراج كل ما في جعبتها مرة واحدة، بل تتصرف بذكاء وفق معطيات الميدان وتطورات المعركة الشرسة أخذة بعين الاعتبار عدم تكافؤ موازين القوى وإمكانية استمرار المعركة لوقت طويل.
بعد أيام قليلة من العدوان البربري على قطاع غزة، بات طائرات الاحتلال تجوب سماء القطاع تبحث عن هدف جديد للقصف، لكنها تعود أدراجها خائبة، فتلجأ إلى قصف مواقع سبق قصفها وتدميرها، في أوضح تعبير عن إفلاسها، وهو ما تقر به قيادة الجيش بأن سلاح الطيران استنفد أهدافه، فيما المقاومة ما تزال محتفظة بالكثير من أوراق القوة التي أعدتها سلفاً لمثل هذا اليوم.
واضح أن المقاومة الفلسطينية استفادت كثيراً من دروس وعبر المواجهات السابقة مع جيش الاحتلال، ووضعت نصب عينيها تجربة حزب الله اللبناني في حرب تموز، والتي شكل الاحتلال لجنة خاصة لتدارس أسباب الفشل فيها وذلك في إطار حرصه على تفادي تلك الأسباب في أي مواجهة قادمة، بيد أن تخبطه البادي للعيان في معركة غزة يظهر أنه لم يستوعب دروس حرب تموز.
تدرك إسرائيل أكثر من غيرها حجم المخاطر المحدقة بجيشها حال قررت الزج به في معركة برية على أرض قطاع غزة، حيث يعكس ذلك ترددها الواضح في الإقدام على بدء الهجوم البري، لكنها مضطرة في نهاية المطاف لاستغلال الظرف الإقليمي والدولي المشجع إلى حد كبير على استكمال العدوان على أمل انجاز ما يحفظ ماء الوجه لقادة الاحتلال، لاسيما أنهم يترقبون انتخابات عامة في العاشر من فبراير القادم.
المقاومة ورغم بساطة إمكاناتها مقارنة بترسانة الاحتلال العسكرية، تمكنت حتى الآن من إرباك الاحتلال، لاسيما من خلال قصف بلدات إسرائيلية أبعد مدى مما كانت تتوقعه حتى مخابرات واستخبارات الاحتلال، والأهم من ذلك، قدرتها على إمطار البلدات الإسرائيلية بدفعات متتالية من الصواريخ برغم التحليق المكثف لطائرات الاحتلال التي باتت تسكن سماء قطاع غزة منذ بدء العدوان الذي شاركت فيه ستين مروحية عسكرية مختلفة الأنواع بحسب إعلان الجيش الإسرائيلي.
إن الأسئلة المثارة الآن في الساحة الإسرائيلية التي دب فيها الخلاف بعد أيام قليلة من بدء العدوان، تشكك بجدوى الاستمرار في ضرب قطاع غزة، فيما تواصل المقاومة الفلسطينية بسالتها في التصدي للعدوان محضونة بالدعم الشعبي، ممهدة بذلك الطريق أمام تحقيق نصر في جولة من جولات الصراع الطويل، وغداً لناظره قريب.