(الخير فـي وفـي أمتي إلى يوم القيامة)
نقول للذين ينتقصون من قدر وكرامة ومنزلة أمتهم العربية والإسلامية، إن الخير ماض ومتجدد ومتجذر في أعماق علماء ومفكري هذه الأمة الماجدة، ولن تنقطع صلة الأمة عن ماضيها، وإن كبت الأيام بها فتعثرت لبعض الوقت، ولكن روح الإبداع والإنتماء العقدي والثقافي والعلمي يسري في أوصال العلماء وقادة الفكر، لأنهم أصبحوا في دائرة التنوير الإنساني والتقني والمعرفي الذي تشابكت فيه الرؤى والمعارف.
إن أمة الوسط في إعتدالها وتوازنها ستحافظ على الموروث العلمي والحضاري، بل ستكون بإذن الله شاهدة على الأمم الأخرى بعدالتها وإنسانيتها وحبها للخير أن يعم القاصي والداني، دون احتكارها لمعرفة أو خبرة، ودون هيمنتها ومصادرتها للعقول المبدعة التي تربت على منهج دينها فأخذت منه ما يصلح حياتها وما يسعد الآخرين ممن تهفو نفوسهم لمعرفة هذا الدين الذي جاء رحمة للعالمين.
إن منهج الوسطية والاعتدال بدأ يشق طريقه في العالم، لأنه يبعد الناس عن الأزمات التي تحطم مكونات الأمة، وتعيق نهضتها الحضارية، ولهذا المنهج أتباع كثر في العالمين العربي والإسلامي على وجه الخصوص، وفي العالم على وجه العموم، ومنهج الوسطية ليس منهجاً متلوناً معيقاً عن الحركة الجادة من أجل بلورة مشاريع نهضوية إسلامية في المجالات السياسية والاقتصادية والتربوية والإعلامية كما يصفه المثبطون، الذين يضعون العراقيل أمام مشاريع النهضة، بل ويصفون من يلج باب الوسطية الإسلامية بالتبعية والتآمر، والخروج عن صف الجماعة التي يعتقدون أنها الصواب وغيرها الباطل، والذي يراقب عن قرب أوضاع الأمة، فإن الغيرة تأخذه أن يهب متعاوناً مع المخلصين الثقات لإنقاذ الأمة من مجلة الأوضاع المتردية التي تعاني منها، ومن يقعد متفرجاً على صرخات والآم الأمة دون أن يمد يد العون والمساعدة لرأب الصدع، أو إحداث تغيير في بنية حياته ليكون مؤهلاً للإصلاح، فإنه يهدم بناء الماضي ويسعى لتقويض كل فكرة أو مشروع نافع للأمة في حاضرها.
لقد نجح المنتدى العالمي للوسطية بعقد المؤتمر الدولي الرابع ''نحو مشروع نهضوي إسلامي'' في عمان التي انطلقت منها رسالة عمان الهاشمية والتي دعت في مضامينها الى الإعتدال والوسطية ونبذ العنف والتطرف، وعممت على العالم رسالة الإسلام بعدالتها وانسانيتها وتسامحها، وقد شارك في مؤتمر الوسطية من العلماء وقادة الفكر العربي والإسلامي ممن لهم تجارب فكرية نهضوية في أمتهم، وقد التقت أفكارهم وتوحدت وجهتهم على أن مشروع نهضة الأمة لا يقوم إلا على منهج الوسطية في العقيدة والفكر والممارسة في جميع مكونات الأمة السياسية والاقتصادية والتربوية والإعلامية، والذي يدقق النظر في هذه التظاهرة العلمية النهضوية التي حشد لها المنتدى العالمي للوسطية هذه النخب من العلماء، فإنه يوقن أن الخير في هذه الأمة الى يوم القيامة، كما أخبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ولن تنطفىء شعلة النور والحق ما دام في الأمة أمثال هؤلاء العلماء ومن تربى في مدارسهم على ما يؤمنون به من أجل انقاذ ونهضة الأمة بعد أن أحس الجميع بأنه لا بد من تضافر الجهود لتخليص الأمة من كل معيقات النهضة والشهود الحضاري والإنساني الذي يتمثل فيما حملته الأمة العربية والإسلامية للعالم من إرساء قواعد العدل والحق والتراحم والتكافل.
لقد حمل مؤتمر الوسطية للأمة أفكار مشاريع نهضوية في المسارات الاقتصادية والسياسية والتربوية والإعلامية، وأكد على دور المرأة والشباب في مشروع النهضة، مع بيان مرجعيات مشروع النهضة الإسلامي، ولم ينس المشاركون الحديث عن تأصيل العلاقة مع الذات ومع الآخر، وقد تحدث المشاركون بإسهاب عن المعيقات الداخلية والخارجية لمشروع النهضة، ولم يكتف العلماء بالتنظير وإنما سعى الجميع لإيجاد الحلول العلمية والعملية للخروج من دوامة التخلف وسوداوية النظر عند بعض المثبطين لإنبعاث مشروع النهضة الإسلامي من جديد.
إن أمة فيها أمثال هذه النخب الخيرة المخططة التي كانت لها تجارب في بلادها من أجل إحياء معالم هذه الأمة من جديد، لن تموت أبداً، والذي يدخل البهجة الى النفوس أن العلماء لم يتركوا مجالاً يصب في مشروع الإصلاح الإسلامي إلا وذكروه وأصلوه، حيث بحثوا عن الوسائل العملية التطبيقية في مشروع النهضة، مع الحديث عن بناء منهجية البحث العلمي لدى الأجيال القادمة، ومما زاد الأمر اشراقاً ذلك الحضور المتميز المكثف من أبناء الوطن الأردني على اختلاف الرؤى ووجهات النظر، يبقى أخيراً أن نسجل التحية لأعضاء المنتدى العالمي للوسطية الذي بذلوا الجهود المتواصلة لإنجاح هذا المؤتمر الكبير، والثمرة التي ستكلل بالنجاح والمتابعة لتوصيات هذا المؤتمر لإنضاج بعض المشاريع الإصلاحية الملحة في حياة أمتنا، خاصة المشروع التربوي والاقتصادي، ليحقق المنتدى بعض المنجزات العملية الناجحة في أمتنا.